المزارع الأحوازي ضحية العنصرية الإيرانية
الزراعة هي أهم ركن في حضارة الأحواز السامية وأساس تطورها كحال الحضارات الأخرى، زرعت أولى حبات القمح في مدينة السوس عاصمة عيلام في ٤٥٠٠ ق م. وساهم الفلاح الأحوازي بشكل رئيسي في بناء حضارة بلاده طيلة قرون من الزمن. وحين ما تم تقويض الحكم الأحوازي في هذا الإقليم العربي، تراجعت التنمية الزراعية، وترك هذا الأمر تأثيره على الاقتصاد والمجتمع وكامل زوايا حياة الإنسان في الأحواز.
تعد الزراعة جزء لا يتجزأ من حياة المواطن الأحوازي، حيث تفوق مهنة الـ ٤٠% بالمائة من الناس مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالعمل الزراعي. إلى ذلك نضجت الثقافة الريفية الأحوازية وبما فيها الأدب الشعبي من الشعر والقصص والحكايات والمسرح الشعبي وغيرها من نتاجات ثقافية كداعم رئيسي في ترسيخ الثقافة العربية في الأحواز الأمر الذي غير محبذ لدى سلطات طهران.
تتمتع الأحواز بأراضي خصبة لزراعة العديد من النباتات والأشجار. وساعد وجود الأنهار المتعددة على ازدهار هذه الأرض طيلة قرون. الزراعة على ضفتي نهر كارون الذي يشق مدينة الأحواز عاصمة الإقليم وكذلك على ضفتي أنهار الكرخة والدز والجراحي لها تاريخ مديد منذ مطلع فجر حضارة هذه الأرض. تبلغ الأراضي الواقعة تحت الزراعة اليوم ٩٠٠ ألف هكتار وتنقسم على أنواع المحاصيل الزراعية. كما أن حسب تقدير الخبراء أن مليونين ونصف المليون هكتار من أرض الأحواز صالحة للزراعة، غير أن تعاني المنطقة من التهميش والمشاريع الحكومية التي فتكت بالأرض وتهدر الكثير من الماء وتستخدم فيها كميات كبيرة من الأسمدة والسموم بشكل غير نظامي وخاصة في مزارع قصب السكر التي اغتصبت إيران ارض العرب وشيدت هذا المشروع عليها. وعلى إثر تلك المشاريع الفتاكة التي تحاول إيران من خلالها ان تخلع يد المزارع العربي من أرضه أصبحت زراعة المحاصيل الأساسية مثل الأرز والقمح والفواكه صعبة للغاية، وتجابه السلطات الإيرانية في الإقليم المزارعين العرب وتمنعهم من الزراعة لصالح الشركات الحكومية والوافدين من خارج الإقليم.
وفي تصنيف اجتماعي بسيط ممكن تصنيف المجتمع الأحوازي كمجتمع زراعي منذ أولى نشأة هذه الحضارة. وظل الأحوازي بالرغم من التغييرات السياسية والجيوسياسية، متشبث بالأرض كمصدر رزقه ومستقبل حضارته. ولكن منذ أن وطأت أقدام الجيش الإيراني وسقط الحكم العربي في هذه المنطقة سلبت مقومات الحياة من الإنسان العربي هناك وفي أولى مخططات الدولة الإيرانية سلبت أراضي الفلاحين بشكل وأخر واستمر سلب الأرض من العرب حتى يومنا هذا.
وبهذا ومنذ عام ١٩٢٥م سلبت الحكومات المتعاقبة إمكانيات التطور الاقتصادي من الشعب الأحوازي. وبموازاة هذا الموضوع كشفت إيران أبار نفط وغاز في المنطقة وجلبت هذه الاكتشافات الويلات للسكان الأصليين حيث بعد ما سلبت أراضيهم لم تسمح لهم إيران بعد بالتوظيف في الشركات الحديثة التابعة لقطاع النفط والغاز والزراعة كذلك. ولجأ الأحوازيون إلى العمل في حقولهم التي كانت متبقية من عملية النهب ما أثار حفيظة النظام الإيراني حيث شن هجوم واسع على الناس، ولكن هذا الهجوم كانت واجهته مشاريع زراعية حكومية وهكذا سلبت الأرض المتبقية لدى السكان الأصليين.
كما أن للشركات التابعة للحرس الثوري والفرس الوافدين من الأقاليم الفارسية الى الاحواز حصة كبيرة من سلب الأراضي الأحوازية. ويمكن ان نذكر: شركة قصب السكر التي اغتصبت مئات الاف الهكتارات من ارض الفلاحين العرب. وهكذا شركات تعاونية تابعة للحرس الثوري وشركات تعاونية تابعة للوافدين الفرس وغيرهم وكذلك شركات تعود ملكيتها للتجار الفرس، الأمر الذي أدى بتوسيع رقعة الفقر والبؤس وانتشار التخلف الاجتماعي والخ. وهكذا زادت الدولة الإيرانية وتيرة الهبوط في جميع المستويات في أوساط المجتمع العربي الأحوازي.
ونتيجة السياسات المنهجية من قبل الدولة الإيرانية، ظلت الدوائر الحكومية مصرة على إبعاد العرب عن مهنتهم وسلب أراضيهم، وتمنعهم من الزراعة عبر عدم تخصيص المياه والبذور الزراعية والأدوات الميكانيكية اللازمة، ناهيك عن التلاعب بحقوق الفلاحين القانونية وعدم تأمين المزارع في الأحواز، على العكس ما نراه في الأقاليم الفارسية. كما تعمل إيران بين حين وأخر على عرقلة أي مجهود عربي زراعي وعلى سبيل المثال تفتح شركة قصب السكر مياه البزل المليء بالأملاح والمواد الكيماوية على مزارع النخيل والقمح التي تعود ملكيتها للعرب وهكذا تم تدمير مئات الاف الهكتارات الزراعية وتم تجفيف مزارع النخيل بشكل مرعب وخطير جدا.
وفي نفس السياق تعرقل إيران تسويق المحاصيل الزراعية الأحوازية، حيث في الوقت المحدد لا تسمح المصالح الجمركية بتصدير المحاصيل الزراعية الأحوازية الى البلدان العربية مثل العراق ودول الخليج، وبنفس الوقت يتم تصدير محاصل زراعية منتجة في الأقاليم الفارسية وتباع المحاصيل الأحوازية بأسعار زهيدة في الأسواق الإيرانية حتى لا ينتفع الفلاح الأحوازي عبر تصدير منتجاته إلى خارج الحدود وهكذا أيضا بنفس الوقت تحاول إيران أن تمنع الأحواز من التواصل الثقافي والاقتصادي مع بلدان الجوار العربي. المحنة الأخرى ما هي إلا السيول المفتعلة والمهندسة من قبل الإدارة الإيرانية هي التي تجرف سنوياً ملايين الاطنان من المحاصيل الزراعية لدى العرب الأحوازيين.
وهكذا نرى الفلاح الأحوازي اليوم يعاني من الفقر والتهميش والتحقير في أرضه وأصبح غريب في وطنه.
نتيجة سياسات إيران الأمنية التي تطمح إلى إزالة وجود الإنسان العربي من الأحواز وترجمة تلك السياسات بالنهب وتدمير البنية الزراعية وتهميش الفلاحين، ظل المواطن القروي الأحوازي يعيش الفقر المدقع ويراوح في مكانه دون أي تقدم. عملت إيران على هذه السياسية حتى تحد من الانتشار والنمو السكاني للعرب في موطنهم.
وتزامنا مع ذلك وفي ذات القوت الذي يتمتع به فلاحون العالم الحر يمنع الفلاح الأحوازي من ممارسة حقوقه النقابية ولا تسمح إيران بتشكيل نقابات فلاحية تدعم حقوق الفلاحين ولهذا نرى المواطن الفلاح في قرى الأحواز بعيد جدا عما يحدث في العالم من تغيرات سياسية وحقيقة تؤثر على حياته. وفي هكذا حال يمكن القول إن الفلاح الأحوازي يعيش في عالم محدود ومحاصر وضيق جدا بسبب سياسات إيران. وفي نفس الوقت نرى المزارع الأحوازي المهتم بتربية المواشي وإنتاج الألبان واللحوم يعاني اليوم من مضايقات شديدة ومحارب في جميع زوايا الحياة التي فرضتها عليه سياسات إيران.